بســــ اللـــه الـــرحمن الرحيم
البطالة هي المشكلة الأولى في مختلف دول العالم، وتعني أن تكون قادراً على العمل وأن تبحث عنه وتقبل به عند مستوى الأجر السائد في سوق العمل، ولكنك لا تجده.
وقد عرفت البلدان الصناعية عبر التاريخ الاقتصادي أنواعاً كثيرة من البطالة، وفيمايلي أكثرها شيوعاً:
- البطالة المقنعة: وتعني أن هناك عمالاً يعملون اسماً لا فعلاً ويقبضون أجوراً ورواتب دون أي إنتاجية فعلية.
- البطالة السافرة: وتعني وجود أعداد كبيرة من قوة العمل قادرة وراغبة في العمل وتبحث عنه وتقبله عند مستوى الأجر السائد ولكنها لا تجده، إذ يوجد أكثر من مليون سوري متعطلين عن العمل، أغلبهم شباب وخريجون.
إن البطالة السافرة قاسية جداً في سورية، ولا توجد أنظمة حماية اجتماعية أو إعانات، فكيف ستكون حالة شاب تخرّج من الجامعة أو من إحدى كليات الهندسة ولا يملك ثمن قوته اليومي.
- البطالة الدورية: وتعني أن النشاط الاجتماعي لا يسير بتواتر واحد ومنتظم عبر الزمن.
- البطالة الاحتكاكية: وتعني الانتقال المستمر للعاملين بين مهنة وأخرى وبين منطقة وأخرى.
- البطالة الهيكلية: وهي التي تصيب جزءاًً من قوة العمل بسبب التغيرات الهيكلية التي تحدث في الاقتصاد.
- البطالة الموسمية: وتعني أن بعض الناس يعملون في الأعمال الزراعية والسياحية، وهذه الأعمال ليست دائمة وتتصف بالموسمية.
ليست مشكلة البطالة في سورية حديثة العهد، وإنما تمتد جذورها إلى عقود ماضية ولكنها كشفت عن وجهها القبيح بصورتيها السافرة والمقنّعة، إذ بدت المشكلة واضحة وخطيرة، حيث قلة فرص العمل للشباب في الدولة، ورفع الدولة الالتزام عن تعيين المهندسين والمعاهد المتوسطة الملتزمة.
ومن أهم الأسباب الرئيسية التي أدت إلى بروز مشكلة البطالة بين أوساط الشباب السوري هي:
1- الزيادة السكانية، إذ يزداد سكان سورية بمعدل 2،6%، وهي أعلى نسب الزيادات السكانية في العالم، ويصنف المجتمع السوري بأنه مجتمع شاب، فتي، إذ تصل فيه نسبة من هم بين 16-60 سنة إلى أكثر من 50%.
2- سياسة الدولة تجاه تعيين الخريجين في مؤسسات القطاع العام، إذ نجم عن ذلك تدفق الخريجين إلى المؤسسات الحكومية بشكل كبير جداً، كما لعبت سياسة مجانية التعليم وسياسة الاستيعاب الجامعي دوراً في هذا الأمر، فتأجّل ظهور البطالة، ومع رفع الدولة الالتزام بالتعيين، زادت أرقام البطالة فوراً.
3- عدم التنسيق بين سياسات التعليم وسياسات التعيين، إذ تعمل سياسات التعليم في واد وحاجات أسواق العمل في واد آخر.
4- الهجرة الكبيرة بين أوساط الشباب من الريف إلى المدن، والهجرة من المحافظات الصغيرة إلى المحافظات الكبيرة، ومن المدن المهملة إلى المدن الأكثر جذباً، لكن هذه الأعمال الزائفة لم توفر فرص العمل.
5- تدهور معدلات النمو الاقتصادي.
6- عدم توزيع القوى البشرية حسب الاحتياجات الفعلية.
7- بيئة الاقتصاد العالمي، ولاسيما انخفاض أسعار المواد الأولية التي تصدّرها سورية وارتفاع أسعار المواد المستوردة، الأمر الذي خلق صعوبات اقتصادية.
إن الفقر في الفكر الاقتصادي السوري في فهم مشكلة البطالة المتفشية بين الشباب والتصدي لها، أدى إلى نتائج وتكلفة للبطالة تؤدي إلى انتفاء الأمن الاقتصادي، إذ يفقد العامل دخله الأساسي، وربما الوحيد. كما تسبب البطالة معاناة اجتماعية وعائلية ونفسية بسبب الحرمان مما يدفع الشباب إلى تعاطي الخمور والمخدرات ويصابون بالاكتئاب والاغتراب. كما تدفعهم إلى ممارسة العنف والجريمة والتطرف.
إن علاج أزمة البطالة في البلاد النامية، ومنها سورية، هي عملية صعبة جداً ومعقدة في آن واحد، ومنبع الصعوبة يكمن في الجذور العميقة التي أنبتت هذه الأزمة، وهي:
التخلف الاقتصادي، وضعف موقع البلاد النامية في الاقتصاد العالمي، وفشل جهود التنمية.
وعلى أي حال، فإن التصدي لأزمة البطالة بين الشباب في البلاد العربية، ومنها سورية، يحتاج إلى مستويين:
أولهما- الإجراءات العاجلة: وتتمثل في تشغيل الطاقات الشابة العاطلة في مختلف قطاعات الاقتصاد القومي وتوفير الحماية الاجتماعية للشباب العاطلين عن العمل والتوسع في مشروعات الضمان الاجتماعي، وضرورة أن تضع الحكومة برنامجاً لتعزيز النهوض بالخدمات الصحية والتعليمية والمرافق العامة والتوسع في برامج التدريب وإعادته في مجال المهن اليدوية ونصف الماهرة.
ثانيهما- الإجراءات الطويلة الأجل: وتتمثل في إعفاء جميع الإدارات غير المؤهلة والتي لا تملك فلسفة موارد بشرية سليمة ولا تعرف كيف تحفز العامل، وخاصة الشباب، وترقيه وتخلق حالة حراك اجتماعي وإعلامي شبابي. كما أن هناك أموراً صغيرة بنظر البعض، لكن يمكن تحويلها إلى مواضيع عمل يمكن أن يعمل بها الآلاف من الشباب، كالسياحة، وأمور العقارات، وتوفير منازل صغيرة ورخيصة للشباب، وخلق فرص عمل منتجة، والاستفادة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والارتقاء بمستويات التعليم والصحة والإسكان والرعاية الاجتماعية، وإعادة النظر في مكونات سياسات التعليم والتدريب بحيث تلبي سوق العمل.
أمام الشباب على امتداد ساحة الوطن مهام كبيرة، ويجب أن لا تكون مشكلة البطالة المحبط الأول الذي يواجهونه في بداية المشوار